Polly Apfelbaum – Red Desert, Red Mountain, Red Sea

15.03 - 29.07.2022
Curator: كرميت غليلي

تقدّم الإنشائيّة الاندماجيّة التي أبدعتها بولي أبِلباوم خصّيصًا من أجل مغازين III يافا تجربة رائعة، في داخل فضاء نشِط وحيويّ يتحوّل فيه الرسم إلى نحت، والعكس صحيح. تنشئ أبِلباوم بيئة خياليّة تستند إلى مناظر جغرافيّة طبيعيّة – الصحراء الحمراء في وايومنغ أو قمّة الجبل الأحمر في جنوب كولورادو – لكن، تستند أيضًا، وبالمقدار نفسه، إلى مراجع ثقافيّة حديثة، مثل الفيلم الملوّن الأوّل للمخرج الإيطاليّ الشهير، مايكل أنجلو أنطونيوني من عام 1964، “الصحراء الحمراء”، أو الإشارة إلى اللون الأحمر للمصمّم والفنّان المعروف جوزيف ألبرز. إنّها لا تدعو المشاهِد إلى التأمّل فحسب، وإنّما إلى المشاركة الفعّالة في الرحلة أيضًا؛ تجربة البحث حول الخطوط الحدوديّة، الرسم، التجريد واللون.

نقطة الانطلاق للمعرض Red Desert, Red Mountain, Red Sea هي Red Desert (1993)؛ عمل أرضيّة للفنّانة من قماش مخمليّ، وهو قائم ضمن مجموعة متحف مغازين III للفنّ المعاصر منذ عام 1997. أضافت أبِلباوم إلى هذا العمل عمل أرضيّة جديدًا، Red Desert, Red Mountain, Red Sea (2021)، جداريّة Red Waves (2022)، وكذلك عملين اثنين من السيراميك، Sun Targets (2017) وRed Table with Red Sea Beads (2013–2020).

أعمال الأرضيّة الخاصّة بأبِلباوم، والتي تدعوها “fallen paintings[1]”، هي جزء مركزيّ في إبداعها. أبِلباوم، المولعة باستخدام السجّادة، وهي غرض قديم العهد استخدمته القبائل الرحّالة التي يُعتبَر عبور الحدود أسلوبَ حياة بالنسبة إليها، توظِّفها هي لتقصّي الخطوط الحدوديّة الفاصلة بين الأفكار المعاصرة والانقسامات الوسطيّة. كمَن بدأت مسيرتها الفنّيّة كرسّامة، فإنّ نقل اللوحة إلى عمل أرضيّة، شيء يمكن لمسه، أو الجلوس عليه، أو السير فيه، يتيح لأبِلباوم استكشاف الخطوط الحدوديّة القائمة بين الرسم والنحت، أو بين الرسم والسينما. إنّ التزامها للحرف اليدويّة التقليديّة، سواء أكان بشكل مباشر، كونها تعمل منذ سنوات في السيراميك، أو بشكل غير مباشر من خلال دمج أعمال يدويّة لآخرين في أعمالها الفنّيّة (العمل Red Desert, Red Mountain, Red Sea نسجَته عائلة فاسكيز من قرية تيوتيتلان ديل فالي التي في ولاية أواكساكا، المكسيك؛ السلال التي في العمل Red Table with Red Sea Beads أنتجتها نساء طالبات لجوء من أفريقيا عضوات في كوللكتيف كوتشينطا، الذي ينشط في تل أبيب)، يتيح لها إمكانيّة تقصّي الحدود بين الفنّ والحرف اليدويّة.

ليس بالضرورة أن تكون مواضع نصب أعمال أبِلباوم مشحونة في سياقات الزمان والمكان، لكن من الصعب تجاهل المعنى الذي تحصل عليه هذه الأعمال عندما يتمّ عرضها في يافا بعد عامين من الوباء. ومثلما يكتسب فحص الحدود بين الفنّ والحرف اليدويّة بعدًا موضعيًّا مع الدخول إلى فضاء مغازين III يافا من شارع عولي تسيون، نظرًا لانتشار السجاجيد الفارسيّة والأفغانيّة على الأرصفة، فهكذا أيضًا بالنسبة إلى عرض سجّادة، وهي تابعة إلى الحيّز المنزليّ، في الحيّز العامّ، فهي تُظهر ضبابيّة الحدود بينهما، وهي ضبابيّة تعاظمت في السنتين الأخيرتين، وتمثّلت، ضمن أشياء أخرى، في نقل طاولة العمل إلى صالون المنزل، والاحتفال بأحداث حميمة في حياتنا في المتنزّهات والحدائق العامّة.

كرميت غليلي
الأمينة الفنّيّة لمغازين III يافا
2022

[1] إنّ أوَّل مَن استخدم هذا المصطلح فيما يتعلّق بسجاجيد أبِلباوم المبكّرة هو كورت فاريندو (Varendoe).


Red Desert, Red Mountain, Red Sea
بولي أبِلباوم

“أريد أن ألوِّن الفيلم كما يُرسَم على قماش؛ ابتكر العلاقات بين الألوان ولا أقيِّد نفسي بتصويرها في حالتها الطبيعيّة.” مايكل أنجلو أنطونيوني 

“Red Desert”، عمل أرضيّة خاصّ بي من عام 1993 (وهو الآن ضمن مجموعة مغازين III)، تمّ إنشاؤه بوعي كلفتة تقديريّة لفيلم أنطونيوني من عام 1964. لقد سحرتني سيرورة عمل أنطونيوني في ذلك الوقت: كان ذلك فيلمه الأوّل بالألوان، وبدلًا من مجرّد التصوير بالألوان، فقد قام بتصويره بالكامل في أطياف ضبابيّة، وبعد ذلك، في مرحلة ما بعد الإنتاج، أكّد عمداً على عناصر مختارة: لقد رسم الفيلم كما يُرسَم على قماش. وهذا ما يمنح الفيلم مظهرًا فريدًا يعكس بدوره انعزال الشخصيّة الرئيسيّة في الفيلم، من تمثيل مونيكا فيتي. تدور أحداث الفيلم في محيط مدينة رافينا في شمال إيطاليا، وينبع جزء كبير من التعبير المرئيّ الذي يميّزه من المشهد الصناعيّ في إيطاليا ما بعد الحرب العالميّة الثانية. قال أنطونيوني: “كان قصدي أن أترجم شعر العالم، والذي تتمتّع فيه المنشآت الصناعيّة أيضًا بالجمال”. 

هناك صحراء حمراء في وايومنغ، وفي جميع أعمال الأرضيّات التي قمت بإنشائها في ذلك الوقت أشرت إلى الانتشار الأفقي للمناظر الطبيعيّة في الحيّز: الحقول، المروج، الصحارى والبحار. كان الاستخدام الواثق للألوان، تسطيح العمل والإمكانات التعبيريّة الكامنة في الألوان في حوار متزامن مع الوسيط التصويريّ أيضًا، وفي نظرة إلى الوراء، كان من الأهميّة بمكان، في رأيي، أنْ تمّ عرض العمل كجزء من معارض عديدة سعت إلى التفكير في حدود الرسم: “Painting Outside Painting” (بينالي كوركورن، 1995)؛ “Painting: the Extended Field” (Magasin III, 7–1996)، وبينالي ليون عام 1997، “L’autre (the Other)”، الذي كنزَه هارالد زيمان. لاحقًا، أشار كورت فاريندو (Varendoe) إلى مجموعة الأعمال هذه بعبارة: “fallen paintings”.  

منذ عام 2013، بعد عودتي من سنة إقامة في الأكاديميّة الأمريكيّة في روما، تمّ شمل أعمال الأرضيّات هذه في بيئات اندماجيّة: إنشائيّات مرتكزة على المكان تضمّنت جداريّات، سيراميك وسجّاد. للسجّاد أهمّيّة خاصّة بالنسبة إليّ، لأنّها تتعلّق بمفهوم الترحال. تعجبني كلمات المؤرّخ السينمائيّ فيليب ألين ميشو (Michaud): “… السجّادة، باعتبارها شيئًا يُنقَل من مكان إلى آخر ويجعل الساقين والعينين في حالة حركة، تمثّل استعارة قويّة للحركة.” في هذه الأعمال، إذًا، وفي إنشائيّات السجّاد الكبيرة الحجم، ثمّة حوار أقلّ ارتباطًا بالرسم وأكثر ارتباطًا بالعمل الذي يتخطّى الحدود بين مجالات عديدة: النحت، الرسم، الإنشاء، السينما والحِرَفة اليدويّة. بالقدر نفسه، لا تزال مسائلتا اللون والتجريد مهمّتين بالنسبة إليّ كفنّانة – الآن، في مجال نشاط أكثر اتّساعًا. 

تكمن بداية العرض الحالي في مغازين  IIIيافا في تنوّع الألوان وفي التنظيم المكانيّ للعمل “Red Desert” الأصليّ. إنّه ينتشر على الجدران ويحوّل فضاء الجاليري من حاوية محايدة إلى مجال مكانيّ نشِط ومشحون بالطاقة. كتعبير مقابل عن عمل الأرضيّة الأصليّ، تمّ عرض سجّادة كبيرة الحجم منسوجة في أواكساكا بالمكسيك. تأتي أطياف اللون الأحمر القويّة من حشرة الدودة القرمزيّة، وهي نوع أصليّ في المنطقة، وقد استخدمت على مدى قرون كمادّة تلوين باللون الأحمر -القرمزيّ: وجود غرض مصنوع يدويًّا يعكس ردًّا من الجانب الآخر للوقت على استخدام أنطونيوني الطلاء الصناعيّ. تنتشر الألوان نفسها تباعًا على امتداد الجدران – موجة من أطياف اللون الأحمر – وتشكّل خلفيّة للأعمال الخزفيّة، والتي تشير بدورها إلى الشمس: بقعة من الضوء تشعّ في أنحاء مساحة المجال في الفضاء. 

ما تبقّى على حاله فيما يتعلّق بالعمل السابق هو الحوار المستمرّ مع القضايا التاريخيّة لوسيط الرسم: التسطيح، اللون ونقد الفضاء الأنيق – لكنّ السياق، الآن، مكانيّ-محيطيّ مقارنةً بالماضي. من المهمّ بالنسبة إليّ أن تعيش المشاهدات والمشاهدون العمل من خلال التجوّل حول السجّادة وعبرها، بينما هم/هنّ محاطون/ات من جميع الجوانب بالألوان، الأشياء والأسطح؛ تتمثّل إحدى طرق مشاهدة هذه الإنشائيّة كما في مشاهدة فيلم رسوم متحركة، أو رسم يعبر المشاهدون من خلاله. 

الشيء الآخر الذي أثار اهتمامي هنا – ولا يزال يشغلني طوال مسيرة عملي على مدى 30 عامًا متواصلة – هو الصدى العاطفيّ والفكري للون. تشير الألوان الثلاثة الحمراء المذكورة في العنوان – أحمر الصحراء، الجبل والبحر – جميعها إلى أماكن ومناظر طبيعيّة. الجبل الأحمر هو قمّة في جنوب كولورادو، وفي الربيع تكتسي باللون الأحمر بفعل وجود كبريت الحديد في التربة؛ الطحالب تحوّل البحر الأحمر إلى أحمر؛ وصحراء وايومنغ الحمراء سُمِّيت بهذا الاسم بسبب الطريقة التي تصيب بها أشعّة الشمس الغربيّة الرمال الجليديّة التي بقيت هناك منذ العصر الجليديّ الأخير. على هذا النحو تثير الإنشائيّة إحساسًا باتّساع الفضاء المفتوح وبانسيابيّة الوقت، بدون فضاء واحد، وبدون وقت واحد. منذ سنوات عديدة، وكنت حينها لا أزال طالبة جامعيّة في قسم الفنون، أدهشتني أقوال جوزيف ألبرز عن اللون الأحمر: “إذا قلت “أحمر” – اسم اللون – و كان هناك اثنان يستمعان، ففي إمكانك أن تتوقّع أنّ 50 طيفًا من الأحمر ستتبادر إلى ذهنيهما.” هذا هو التعدُّد الذي أردت أن أمنحه للعمل.