أمام منظر طبيعيّ

12.06 - 31.10.2025
أمانة المعرض: Karmit Galili

من المشكوك فيه ما إذا كان من الممكن يومًا النظر إلى المنظر الطبيعيّ المحلّي باعتباره شكلًا طبيعيًّا أو جماليًّا بحتًا، فكم بالحريّ الآن. إنه منظر طبيعيّ مشبع بصراعات الملكية، الهوية وعلاقات القوة. الفنانون الثلاثة المشاركون في المعرض – نوريت دافيد، شبتاي بنتشيفسكي وطاليا يسرائيلي – يُفكّكون الصورة المألوفة للمنظر الطبيعي ويخلقون منها صورة جديدة. فمن خلال استخدام موادّ وتقنيّات تخالف توقّعاتنا بشأن التمثيلات المقبولة للمنظر الطبيعي في السياقات الفنّيّة والخرائطيّة، يكشفون عن مساحات بديلة للمنظر الطبيعي: صامتة، نائية وغريبة.

هذا هو المعرض الثالث ضمن سلسلة معارض جماعية تتناول المعارضة، التفكيك والخيال السياسي: افتُتح المعرض الأول، “متاريس”، عام 2023 بمشاركة الفنانين: أفشالوم، غاستون تسفي إيتسكوفيتس، شاحر يهلوم وساهر ميعاري. وافتُتح الثاني، “النظر للوراء إلى المستقبل”، عام 2024 بمشاركة الفنانين: حمّودي غنّام، طاليا هوفمان، موشون زير-أبيب، شليف موران، عومر كريغر وهيليل رومان.

نوريت دافيد
في سلسلة من اللوحات الزيتية الكبيرة، الملوّنة، الخالية من المنظور والغنيّة بالتفاصيل من عامي 2000-2001، تروي نوريت دافيد قصّةً مُركَّزة عن المنظر الطبيعيّ. “كنتُ أريد أن تُكتَب القصّة أو تُسجّل فعليًّا داخل إطار المنظر الطبيعيّ”، تقول، وتشبّه عمل الرسّامة بعمل المزارع، فكلاهما يُشكّلان المنظر الطبيعيّ.

ترتكز رسومات المنظر الطبيعيّ التي تنتجها على مزيج من الصور التي التقطتها هي في منطقة القدس وأجزاء من مناظر طبيعية جمعتها من لوحات عصر النهضة، وفي الأساس اللوحات التي تصف قصّة صلب المسيح. يبدو وكأنّ اللوحات ابنة القرن السادس عشر تحدث في منظر القدس نفسه، إلّا أنّها من رسم رسّامين لم يروا قطّ هذا المنظر الذي قامت بتصويره في عام 2000. دافيد، المفتونة بلوحات عصر النهضة، تغرسها في داخل المنظر المحلّي، فارضةً على التاريخ المحلّي سياقات أوسع، ومنظورًا داخليًّا وخارجيًّا في آن واحد.

في العمل منظر طبيعيّ رقم 7، ترسم منظرًا طبيعيًّا لمنطقة لفتا – القرية الفلسطينيّة التي طُرِد سكّانها عام 1948 ووطِّن مكانهم فيها مهاجرون جدد في ظروف صعبة، وقد أصبحت في نهاية المطاف محمية طبيعيّة. ترسم دافيد في قلب المشهد السياسي والمحلي جزئيّة عجيبة من لوحة لهيرونيموس بوش: جرّة هي أيضًا منزل على شجرة وعلى جانبيها أشجار مأخوذة من لوحة رسمها ألبرخت ألتدورفر. في منظر طبيعيّ رقم 14 تضع ضمن منظر من جبل المشارف صخورًا من لوحة ليواخيم باتينير وكذلك شجرة مأخوذة من لوحة “مذبح آيزنهايم” لماتياس غرينوالد.

شبتاي بنتشيفسكي
أحد أهمّ مبادئ “معرفة البلاد”، مجال المعرفة الذي طوّره مرشدون سياحيون محليون منذ أوائل القرن العشرين وجمع بين التناخ والجغرافيا وعلم الآثار والتاريخ وعلم النبات والفولكلور – كان الطريقة التي يتمّ فيها اكتساب هذه المعرفة: “سيرًا على الأقدام” – أي عبر السير الفعليّ في البلاد. يتتبّع شبتاي بنتشيفسكي الرحلة الصهيونية في دروب البلاد، في الكتب التعليميّة، مسارات التنزّه السنوية ومسارات حركات الشبيبة، التي من خلالها رُبّيت أجيال من الإسرائيليين على معرفة المنظر الطبيعي، ويسأل عن المنظر الطبيعي الذي لن نجده فيها.

في عمله المسار الأوّل تتبّع بنتشيفسكي أوّل مسار مُعلَّم في أراضي فلسطين في السابق، في منطقة عين فشخة فوق البحر الميّت، وهو مسار شهد تغيّرات جذرية في تضاريس الأرض ومستوى سطح البحر والبنى التحتية المحيطة به على مرّ السنين منذ افتتاحه لأوّل مرّة. منذ البداية، اختلطت الاحتياجات العسكرية برغبة معرفة الأرض، وأصبحت الصور التي التقطتها المجموعات الأولى من المتجولين غطاءً للتصوير الاستخباراتي للهاغاناه والبلماخ، وكان هدفه رسم خريطة المنطقة استعدادًا لحرب مستقبليّة. وبالفعل، بعد أسبوع من بدء وضع علامات المسار، في تشرين الثاني 1947، توقّفت عملية وضع العلامات قبل إتمامها إثر اندلاع الحرب في 30 تشرين الثاني 1947، وهو اليوم التالي لموافقة الأمم المتحدة على خطّة التقسيم، وأصبحت المنطقة تحت سيطرة المملكة الأردنيّة حتى احتلالها عام 1967.

لمدة عام تقريبًا، وثّق بنتشيفسكي التغيرات في الشكل المادي للمسار، وأعاد رسم خريطته باستخدام التصوير الفوتوغرامتري المسحي استنادًا إلى صور التُقطت أثناء السير ذهابًا وإيابًا على طوله. يشتمل العمل على نموذجين من التوثيق: بالفيديو وبالتصوير الثنائيّ الأبعاد. وفي حين أنّ التصوير بالكاميرا محدود دائمًا، إذ يكشف فقط ما تسمح لنا البنى التحتيّة برؤيته، فإنّ المسح الضوئي لا يخضع لهذه العوائق البصرية، ويسمح لنا برؤية ما لا يمكن رؤيته بالعين المجرّدة أو بالكاميرا.
يتجنّب بنتشيفسكي تقديم صورة المنظر الطبيعي التي اعتدنا على رؤيتها، تلك التي تحمل في طيّاتها معاني تاريخية، عسكرية واجتماعية. تُقدّم أعماله منظرًا طبيعيًّا غريبًا، بألوان غير مألوفة، لا يُمكن ربطه بمكان محدّد، ولا تُضفي أيّة جزئيّة في العمل الشعور المألوف بنزهة في مسارات البلاد. يُذكّرنا الفيديو، أكثر من أيّ شيء آخر، بالسير على سطح القمر، ويُتيح مسح الألوان صورًا تلسكوبيّة من كواكب أخرى. يُبعد بنتشيفسكي المنظر الطبيعيّ عن الطريقة التي اعتدنا على رؤيته بها، ما يتيح لنا أن نطرح أسئلة حول الطرق التي اعتدنا من خلالها على التعرّف عليه والانتماء إليه.

طاليا يسرائيلي
تناولت طاليا يسرائيلي المنظر الطبيعيّ المحلي في سلسلتيها الأخيرتين اللتين أنشأتهما، وهما سلسلة كتب تاريخ ومعرفة البلاد من سبعينات القرن الماضي، من إصدار وزارة الأمن، على غرار معجم معرفة البلاد “كل مكان وموقع”. كانت هذه الكتب شائعة جدًّا على رفوف الكتب الإسرائيليّة حتى تسعينات القرن الماضي، ولعبت دورًا أساسيًّا في بناء شعور عميق بالانتماء إلى المكان. تعرض هذه الكتب صورًا بالأبيض والأسود لمناظر البلاد الطبيعيّة، ومواقعها الطبيعيّة، ومحميّاتها الأثريّة. لكن، وبخلاف المنظر الطبيعيّ الفعليّ للبلاد – الذي من الصعب النظر إليه دون تمييز، أو على الأقلّ تخيّل خطوط الحدود، مواقع المعارك، القرى المهجورة، الأطلال والأنصاب التذكاريّة، وغيرها – فإنّ الصور المعروضة في الكتب تشتمل على توثيق للمنظر الطبيعيّ المحلّي كمساحة ذات بُعد ملحمي، خالية من الوجود البشريّ. تدعم المناظر الطبيعية أحادية اللون التي تظهر في هذه الكتب بناء الأسطورة “الأرض-إسرائيلية” والعلاقة التاريخية بالأرض وبالمنظر الطبيعيّ.
في سلسلة الأعمال السابقة، كلّ مكان وموقع، تناولت يسرائيلي صور المنظر الطبيعي التاريخية متطرّقة إلى الجانب الدرامي والصدمويّ الغائب عنها، ورسمت منها مناظر طبيعية جديدة تكشف عن آليّات التكوين، وتسعى في الوقت نفسه إلى العودة لرؤية المنظر الأصلي. أما السلسلة الجديدة، التي تقدّمها يسرائيلي في المعرض موادّ تحملها الريح، فهي محصّلة محاولة نزع طبقة أخرى من التكوينات الثقافية عن المنظر المألوف إلى حدّ كبير، وإزالة هالته الأسطورية وارتباطه اللاهوتي. تلجأ يسرائيلي إلى كتاب يبحث في جيومورفولوجيا البلاد، وتستخدم رسومات علميّة لسطح الأرض. في بحثها عن إمكانيّة الابتعاد عن المنظر الطبيعيّ أو الاقتراب منه حتّى يصبح من الصعب التعرّف عليه، تعود يسرائيلي إلى الوحدات الأساسيّة للغاية التي تُشكّله. تُقدّم الرسومات وحدات منفردة من بُنيات الأرض والظواهر الطبيعيّة، وتدرس يسرائيلي إمكانيّة استخدامها كقِطَع ليجو لتشكيل منظر جديد. كما تتجلى أفكار الاختزال والتجريد نفسها في التقنية التي تستخدمها إسرائيلي: الرسومات مرسومة بخطوط تكرارية بواسطة قلم رصاص وألوان رذاذيّة، بسرعة وبضربات فرشاة تبدو عفويّة، على ركيزة من ألواح خشبية أو جدران مكشوفة. يخضع المنظر الطبيعيّ لمثل هذا الاختزال وكأنّه يطمح إلى الظهور في أبهى صوره، لكنه من خلال ذلك يصبح غريبًا عن نفسه، آخر.

كرميت جليلي



عن الفنانين

نوريت دافي

وُلدت نوريت دافيد عام 1952 في تل أبيب، حيث لا تزال تعيش وتعمل اليوم أيضًا. عملت محاضِرة في كلّيّة معلّمي الفنون (بيت بيرل)، وفي قسم الفنون في أكاديمية الفنّ والتصميم بتسلئيل في القدس. أكملت دراسة الفنون في كلّيّة معلّمي الفنون (بيت بيرل)، كما درست الرسم في The Prince of Wales drawing studio في لندن.
تتّسم أعمال دافيد بشحنة بيوغرافيّة عميقة. تميّزت أعمالها المبكّرة بأسلوب “الفنّ الفقير” الإسرائيليّ، ولكن ابتداءً من أوائل التسعينات، بدأت دافيد في إنشاء الفنّ التصويريّ، متأثِّرة بشكل مباشر بالفنّ الأوروبيّ من العصور الوسطى وعصر النهضة. منذ أكثر من عشر سنوات، تميل لوحاتها نحو التجريد وتستعين بالرسم الديجيتاليّ الذي تستخدمه أيضًا لطباعة النسيج لغرض خياطة قطَع ملابس. تجمع في أعمالها بين الحرفيّة اليدويّة التقليديّة الشاقّة والعمل بالأدوات التكنولوجيّة والمعاصرة. إلى جانب انشغالها الفنّيّ، فهي تنشر مقالات في مجلّات، كتالوجات وكتب منذ سنين طويلة.
عُرضت أعمال دافيد في معارض فرديّة وأخرى جماعيّة في إسرائيل وحول العالم. كانت المعارض الفرديّة في جاليري جفعون (2024)؛ متحف بيت أوري ورامي نحوشتان، كيبوتس أشدوت يعقوف ميئوحاد (2021)؛ متحف حيفا للفنون (2015)؛ متحف تل أبيب للفنون (2007). أقيم معرض ثنائيّ لكلّ من دافيد ويتسحاق غولومبيك في متحف بار-دافيد للفنون واليودايكا، كيبوتس برعام (2023). بالإضافة إلى ذلك، شاركت دافيد في معارض جماعيّة، من بينها في Galleria Mimmo Scognamiglio، ميلانو (2008)؛ Gropius Bau، برلين (2005)؛ The Jewish Museum، نيويورك (1998)؛ Ackland Art Museum، كارولاينا الشماليّة (1996)؛ بينالي ساو باولو الـ 21، البرازيل (1991).
تقديرًا لإبداعها الواسع والمتنوّع، فازت بالعديد من الجوائز، من ضمنها جائزة رابابورت من متحف تل أبيب للفنون، وجائزة إنجاز العمر من وزارة الثقافة، وجائزة تشجيع الإبداع من وزارة التعليم والثقافة، وجائزة ساندبرغ من متحف إسرائيل، وغيرها. تُحفَظ أعمالها ضمن مجموعات فنّيّة عامّة وخاصّة مهمّة.

طاليا يسرائيلي


وُلدت طاليا يسرائيلي في القدس عام 1976. تعيش وتعمل في تل أبيب وهرتسليا. يسرائيلي هي المركّزة الأكاديميّة لقسم الفنون في الفرع الحريديّ في بتسلئيل منذ عام 2020، عضوة في هيئة التدريس في قسم الفنون في بتسلئيل أكاديميّة للفنّ والتصميم في القدس منذ عام 2006. تحمل اللقب الأوّل في الفنون من أكاديميّة الفنّ والتصميم بتسلئيل في القدس، واللقب الثاني في الفنون من كلّيّة جولدسميث، جامعة لندن.
تراوح أعمال يسرائيلي بين تمثيل الأماكن الأثريّة بالألوان الزيتيّة على القماش وبين الرسم برذاذ الألوان على جدار الجاليري وفي شوارع المدينة، بهدف تقليص الفجوة القائمة بين المكان وتمثيله وخلق اندماج نشط وتأمّليّ بينهما. إنّها ترسم رسومات للمناظر الطبيعيّة وللمساحات الحضريّة، رسمها تصويريّ، وأحيانًا يكون على حافّة التجريد، تتشابك فيه البيئة المرسومة مع خصائص الوسيط وفعل الرسم، إلى حدّ لا يمكن معه فصل الواحد منها عن الآخر. تُركِّز يسرائيلي على العلاقة بين المساحات المعيشيّة الفعليّة وقدرة الرسم على ترسيخ وتمثيل الحالات المزاجيّة والعاطفيّة التي تثيرها هذه المساحات. في السنوات الأخيرة، طوّرت يسرائيلي أسلوبًا فريدًا في الرسم يجمع بين اهتمامها بالوصف الدقيق والمفصَّل والرسم الأكثر خشونة الذي يتناغم مع لغة الجرافيتي، بحيث تؤدّي النتيجة إلى تشكيل علاقة بين الرسم والتصوير، الـ “ريدي ميد” ومجموعة متنوّعة من أدوات التمثيل الميكانيكيّة مثل زيروكس.
عُرضت أعمال يسرائيلي في معارض فرديّة وأخرى جماعيّة في إسرائيل وحول العالم. كانت المعارض الفرديّة في جاليري بئيري (2023)؛ جاليري مايا، تل أبيب (2022)؛ بيت الفنانين، القدس (2020)؛ متحف رالي، قيسارية (2018)؛ Taylor Foundation، باريس (2017)؛ متحف أشدود للفنون (2016). بالإضافة إلى ذلك، شاركت يسرائيلي في معارض جماعيّة، من بينها في Spinnerei rundgang LIA، لايبزيغ (2025)؛ Hangar Bicocca، ميلانو (2011)؛ Winzavod-Moscow contemporary art center (2008)FA Projects ;، لندن (2004).

شبتاي بنتشيفسكي


وُلد شبتاي بنتشيفسكي عام 1986 في لندن، بريطانيا. يعيش ويعمل في نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكيّة. وهو أستاذ مشارك في مادّة التصوير في The New School, Parsons School of Design، نيويورك. يحمل اللقب الأوّل في التصوير من أكاديميّة الفنّ والتصميم بتسلئيل في القدس، واللقب الثاني في الفنون من جامعة Northwestern Evanston, IL.
من خلال التصوير، النمذجة الثلاثيّة الأبعاد، الترسيم، الأدوات المستندة إلى الإنترنت وغير ذلك، يعاين بنتشيفسكي الموادّ التصويريّة الأرشيفيّة وعلاقتها بجغرافيّات الصراع والتهجير، وخصوصًا في إسرائيل/فلسطين. تتناول أعماله قضايا العدالة الاجتماعيّة وحقوق الإنسان، وأبعادها في مجال الفنّ والإعلام.
عُرضت أعمال بنتشيفسكي في معارض فرديّة وأخرى جماعيّة في إسرائيل وحول العالم. كانت المعارض الفرديّة في جاليري بتسلئيل، تل أبيب (2023)؛ Space P11، شيكاغو (2022)؛ Block Museum Of Art، إلينوي (2021)؛ كلّيّة هداسا، القدس (2017). بالإضافة إلى ذلك، شارك بنتشيفسكي في معارض جماعيّة، من بينها في Singapore Art Museum (2023)؛ Common Ground، البرتغال (2023)؛ Hyde Park Art Center، شيكاغو (2022).